لا بأس أن يكتب المسلم اسمه في طرة المصحف (جانبه) مخافة اشتباه مصحفه بغيره، فقد لا يناسبه إلا مصحفه المخصص له، ولا بأس أن يكتب بعض الفوائد على الهوامش كتفسير كلمة أو سبب نزول أو ما أشبه ذلك. اللسان أمانة،استودعه الله عندنا وأمرنا بأن نستعمله في الذكر وفي العلم وفي التعليم وفي النصيحة وما أشبه ذلك، ولا نستعمله في غيبة ونميمة ولا في هجاء ولا في عيب وقذف وهمز ولمز وما أشبه ذلك. وهكذا بقية الجوارح أمانات داخلة في قول الله تعالى: (والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) . لم يوجد أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دخل في بدعة ولا خالف السنة ولا جماعة المسلمين،ولا خرج على أئمة الدين بل الصحابة كلهم عدول؛ وذلك لأنهم تلقوا الوحي من النبي مباشرة فوصل الإيمان إلى قلوبهم، فلم يكن إيمانهم عن تقليد بل عن فقه واتباع. إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. (يجب) على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، (ويستحب) له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم.
محاضرات بعنوان: عناية السلف بالحديث الشريف
14260 مشاهدة
الإمام أحمد وكتابة الحديث

كذلك من الذين كتبوا الأحاديث الإمام أحمد رحمه الله، وهو من مشائخ أهل الكتب الستة. رتب مسنده على أسماء الصحابة، ولكنه وقع في مسنده أحاديث مكررة كثيرة. بلغ عدد الأحاديث التي في المسند أكثر من سبعة وعشرين ألف حديث. يعني قريبا من ثمانية وعشرين ألفا، وهذا مع التكرار فيها أحاديث مكررة كثيرة يمكن أنها قد تكون النصف أو الثلثين. إذا قيل: إن الأحاديث التي ليست مكررة عشرة آلاف فإن هذا شيء كثير، وكتب الإمام أحمد غير ذلك من الكتب التي تضمن الأحاديث وكان قد وهبه الله تعالى حفظا قويا حتى قال أبو زرعة لعبد الله بن أحمد: إن أباك كان يحفظ ألف ألف حديث يعني: يحفظ مليون حديث كيف عرفتم ذلك؟ قالوا: تتبعناه بالأبواب، ولعلهم يريدون ما يحفظه من الآثار، ومن الموقوفات، ومن المقطوعات، ومن المكرر وما أشبه ذلك، فهذا دليل على أنهم اهتموا بحفظ الأحاديث وبروايتها. مسنده كله أحاديث مرفوعة ليس فيه موقوف من كلام الصحابة أو التابعين إلا القليل.
في زمان الإمام أحمد علماء كثير كتبوا الأحاديث منهم الحميدي شيخ البخاري وهو زميل الإمام أحمد اشترك معه في الرواية عن ابن عيينة يوجد له مسند مطبوع في مجلدين. رتبه أيضا على أسماء الصحابة؛ انتقى الأحاديث الصحيحة.
يوجد في زمانه أيضا من المحدثين عبد بن حميد في زمن الإمام أحمد له أحاديث أو كتاب طبع بعضه، ويسمى منتخب أحاديث عبد بن حميد وهو من تلاميذ أهل الكتب الستة.
كذلك سعيد بن منصور له أيضا سنن مطبوعة أو مطبوع أكثرها، ولكنه رحمه الله لم يقتصر على الأحاديث المرفوعة؛ بل روى أحاديث موقوفة من كلام التابعين والصحابة ومن أفعالهم، اهتم بذلك فحصل على خير كثير.
وفي زمانه أيضا أو قبله عبد الرزاق بن همَّام الصنعاني عالم صنعاء شيخ الإمام أحمد هذا أيضا ممن كتب الأحاديث، وكتب الآثار وطبع مصنفه. موجودة فيه الأحاديث والسنن والموقوفات في أحد عشر مجلدا، وإن كان الحادي عشر جُعل فيه مسند معمر بن راشد كما ذكرنا قريبا. الأحاديث المرفوعة فيه كثيرة؛ أما الموقوفة فأكثر. بلغ ترقيمها أكثر من واحد وعشرين ألفا من أحاديث موقوفة أو مرفوعة.
ومن تلاميذه أبو بكر بن أبي شيبة عالم محدث مشهور؛ اشتهر بحفظ الأحاديث. ذكروا أنه كان يجلس على منبر أو نحوه أو مكان مرتفع يحدث فكان يحضره خمسة آلاف رجل يستمعون لحديثه؛ مع أنه ليس هناك مكبر ولكنهم يتقاربون إلى أن يسمعوا أحاديثه. صنف هذا المصنف الذي طبع، وبلغت أحاديثه أكثر من عشرين ألف حديث، وإن كان أوله لم يرقم؛ وذلك دليل على حفظه، وما وهبه الله تعالى من الحفظ والفهم، وهناك غيره من المحدثين في ذلك الزمان الذين كتبوا السنة، واهتموا بها مما يدل على أن أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم كانت محل اجتهاد، وكان الصحابة والتابعون وتابعو التابعين يعتنون بها، ويحصونها ويكتبونها.